فصل: (سورة الواقعة: الآيات 8- 9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ} فصلّ بذكر ربك وأمره. وقيل: فاذكر اسم ربك العظيم وسبّحه.
أخبرنا ابن فنجويه، حدّثنا ابن شنبه، حدّثنا حمزة بن محمد الكاتب، حدّثنا نعيم بن حماد، حدّثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن أيوب الغافقي عن عمّه وهو اياس بن عامر عن عقبة بن عامر الجهني قال: «لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم} قال: اجعلوها في ركوعكم» ولما نزلت {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى} [الأعلى: 1] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في سجودكم».
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرىء، حدّثنا أبو محمد عبد الله بن محمد الحافظ أخبرنا أبو بكر بن أبي عاصم النبيل، حدّثنا الحوصي، حدّثنا بقية، عن يحيى بن سعيد، عن خالد بن معدان عن أبي بلال عن العرباض بن سارية «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالمسبّحات قبل أن يرقد ويقول: إن فيهن آية أفضل من ألف آية».
قال: يعني بالمسبحات: الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة الواقعة مكية، إلا آيتي 81 و82 فمدنيتان، وآياتها 96 وقيل 97 آية، نزلت بعد طه.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

.[سورة الواقعة: الآيات 1- 7]:

{إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْواجًا ثَلاثَةً (7)}.
{وَقَعَتِ الْواقِعَةُ} كقولك: كانت الكائنة، وحدثت الحادثة، والمراد القيامة: وصفت بالوقوع لأنها تقع لا محالة، فكأنه قيل: إذا وقعت التي لابد من وقوعها، ووقوع الأمر: نزوله.
يقال: وقع ما كنت أتوقعه، أي: نزل ما كنت أترقب نزوله. فإن قلت: بم انتصب إذا؟
قلت: بليس. كقولك يوم الجمعة ليس لي شغل. أو بمحذوف، يعنى: إذا وقعت كان كيت وكيت: أو بإضمار اذكر {كاذِبَةٌ} نفس كاذبة، أي: لا تكون حين تقع نفس تكذب على اللّه وتكذب في تكذيب الغيب، لأنّ كل نفس حينئذ مؤمنة صادقة مصدّقة، وأكثر النفوس اليوم كواذب مكذبات، كقوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}، {لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ}، {وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} واللام مثلها في قوله تعالى: {يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي} أو: ليس لها نفس تكذبها وتقول لها: لم تكوني كما لها اليوم نفوس كثيرة يكذبنها، يقلن لها: لن تكوني. أو هي من قولهم: كذبت فلانا نفسه في الخطب، بعظيم، إذا شجعته على مباشرته وقالت له: إنك تطيقه وما فوقه فتعرّض له ولا تبال به، على معنى: أنها وقعة لا تطاق شدّة وفظاعة. وأن لا نفس حينئذ تحدث صاحبها بما تحدثه به عند عظائم الأمور وتزين له احتمالها وإطاقتها، لأنهم يومئذ أضعف من ذلك وأذل. ألا ترى إلى قوله تعالى: {كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ} والفراش مثل في الضعف. وقيل {كاذِبَةٌ} مصدر كالعاقبة بمعنى التكذيب، من قولك: حمل على قرنه فما كذب، أي: فما جبن وما ثبط. وحقيقته:
فما كذب نفسه فيما حدثته به. من إطاقته له وإقدامه عليه. قال زهير:
............... ** إذا ما اللّيث كذّب عن أقرانه صدقا

أى: إذا وقعت لم تكن لها رجعة ولا ارتداد {خافِضَةٌ رافِعَةٌ} على: هي خافضة رافعة، ترفع أقواما وتضع آخرين: إما وصفا لها بالشدّة، لأنّ الواقعات العظام كذلك: يرتفع فيها ناس إلى مراتب ويتضع ناس، وإما لأنّ الأشقياء يحطون إلى الدركات، والسعداء يرفعون إلى الدرجات، وإما أنها تزلزل الأشياء وتزيلها عن مقارّها، فتخفض بعضا وترفع بعضا: حيث تسقط السماء كسفا وتنتثر الكواكب وتنكدر وتسير الجبال فتمرّ في الجوّ مرّ السحاب، وقرئ: {خافضة رافعة} بالنصب على الحال {رُجَّتِ} حرّكت تحريكا شديدا حتى ينهدم كل شيء فوقها من جبل وبناء {وَبُسَّتِ الْجِبالُ} وفتت حتى تعود كالسويق، أو سيقت من بس العنم إذا ساقها، كقوله: {وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ}، {مُنْبَثًّا} متفرقا. وقرئ بالتاء أى: منقطعا. وقرئ: {رجت} و{بست}، أي: ارتجت وذهبت. وفي كلام بنت الخس: عينها هاج، وصلاها راج. وهي تمشى وتفاج. فإن قلت: بم انتصب إذا رجت؟ قلت: هو بدل من إذا وقعت. ويجوز أن ينتصب بخافضة رافعة. أي: تخفض وترفع وقت رج الأرض، وبس الجبال لأنه عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع ويرتفع ما هو منخفض أَزْواجًا أصنافا، يقال للأصناف التي بعضها مع بعض أو يذكر بعضها مع بعض: أزواج.

.[سورة الواقعة: الآيات 8- 9]:

{فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9)}.
{فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ} الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم {وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ} الذين يؤتونها بشمائلهم. أو أصحاب المنزلة السنية وأصحاب المنزلة الدنية، من قولك: فلان منى باليمين، فلان منى بالشمال: إذا وصفتهما بالرفعة عندك والضعة، وذلك لتيمنهم بالميامن وتشاؤمهم بالشمائل، ولتفاؤلهم بالسانح وتطيرهم من البارح، ولذلك اشتقوا لليمين الاسم من اليمن، وسموا الشمائل الشؤمى. وقيل: أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة: أصحاب اليمن والشؤم، لأنّ السعداء هيامين على أنفسهم بطاعتهم، والأشقياء مشائيم عليها بمعصيتهم. وقيل: يؤخذ بأهل الجنة ذات اليمين وبأهل النار ذات الشمال.

.[سورة الواقعة: الآيات 10- 26]:

{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (19) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا (25) إِلاَّ قِيلًا سَلامًا سَلامًا (26)}.
{وَالسَّابِقُونَ} المخلصون الذين سبقوا إلى ما دعاهم اللّه إليه وشقوا الغبار في طلب مرضاة اللّه عز وجل وقيل: الناس ثلاثة فرجل ابتكر الخير في حداثة سنه، ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا، فهذا السابق المقرّب، ورجل ابتكر عمره بالذنب وطول الغفلة، ثم تراجع بتوبة، فهذا صاحب اليمين، ورجل ابتكر الشر في حداثة سنه، ثم يزل عليه حتى خرج من الدنيا، فهذا صاحب الشمال ما أصحاب الميمنة. ما أصحاب المشأمة؟ تعجيب من حال الفريقين في السعادة والشقاوة.
والمعنى: أي شيء هم؟ والسابقون السابقون، يريد: والسابقون من عرفت حالهم وبلغك وصفهم، كقوله وعبد اللّه عبد اللّه. وقول أبى النجم: وشعري شعري، كأنه قال: وشعري ما انتهى إليك وسمعت بفصاحته وبراعته، وقد جعل السابقون تأكيدا. و{أولئك المقرّبون}: خبرا وليس بذاك. ووقف بعضهم على: {والسابقون}، وابتدأ {السابقون أولئك المقرّبون}، والصواب أن يوقف على الثاني، لأنه تمام الجملة، وهو في مقابلة: {ما أصحاب الميمنة}، و{ما أصحاب المشأمة} {الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} الذين قربت درجاتهم في الجنة من العرش وأعليت مراتبهم.
وقرئ: {في جنة النعيم}. والثلة: الأمة من الناس الكثيرة. قال:
وجاءت إليهم ثلّة خندفيّة ** بجيش كتيّار من السّيل مزبد

وقوله عز وجل: {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} كفى به دليلا على الكثرة، وهي من الثل وهو الكسر، كما أنّ الأمّة من الأمّ وهو الشج، كأنها جماعة كسرت من الناس وقطعت منهم. والمعنى: أنّ السابقين من الأوّلين كثير، وهم الأمم من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} وهم أمّة محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل {مِنَ الْأَوَّلِينَ} من متقدّمى هذه الأمة، و{مِنَ الْآخِرِينَ} من متأخريها. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «الثلثان جميعا من أمّتى». فإن قلت: كيف قال: وقليل من الآخرين، ثم قال: {وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ}؟
قلت: هذا في السابقين وذلك في أصحاب اليمين، وأنهم يتكاثرون من الأولين والآخرين جميعا.
فإن قلت: فقد روى أنها لما نزلت شق ذلك على المسلمين، فما زال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يراجع ربه حتى نزلت {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ}. قلت: هذا لا يصح لأمرين، أحدهما: أنّ هذه الآية واردة في السابقين ورودا ظاهرا، وكذلك الثانية في أصحاب اليمين.
ألا ترى كيف عطف أصحاب اليمين ووعدهم، على السابقين ووعدهم، والثاني: أنّ النسخ في الأخبار غير جائز. وعن الحسن رضي الله عنه: سابقو الأمم أكثر من سابقي أمّتنا، وتابعو الأمم مثل تابعي هذه الأمّة. وثلة: خبر مبتدأ محذوف، أي: هم ثلة {مَوْضُونَةٍ} مرمولة بالذهب، مشبكة بالدرّ والياقوت، قد دوخل بعضها في بعض كما توضن حلق الدرع.
قال الأعشى:
ومن نسج داود موضونة

وقيل: متواصلة، أدنى بعضها من بعض. {مُتَّكِئِينَ} حال من الضمير في على، وهو العامل فيها، أي: استقرّوا عليها متكئين {مُتَقابِلِينَ} لا ينظر بعضهم في أقفاء بعض. وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق والآداب {مُخَلَّدُونَ} مبقون أبدا على شكل الولدان وحدّ الوصافة، لا يتحوّلون عنه. وقيل: مقرّطون، والخلدة: القرط. وقيل: هم أولاد أهل الدنيا: لم تكن لهم حسنات فيثابوا عليها، ولا سيئات فيعاقبوا عليها. روى عن على رضي الله عنه وعن الحسن.
وفي الحديث: «أولاد الكفار خدّام أهل الجنة». الأكواب: أوان بلا عرى وخراطيم، والأباريق، ذوات الخراطيم {لا يُصَدَّعُونَ} عَنْها أي بسببها، وحقيقته: لا يصدر صداعهم عنها. أو لا يفرّقون عنها. وقرأ مجاهد:{لا يصدعون}، بمعنى: لا يتصدعون لا يتفرقون، كقوله: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} ويصدعون، أي: لا يصدع بعضهم بعضا، لا يفرّقونهم {يَتَخَيَّرُونَ} يأخذون خيره وأفضله {يَشْتَهُونَ} يتمنون. وقرئ: {ولحوم طير}. قرئ: {وحور عين}، بالرفع على: وفيها حور عين، كبيت الكتاب:
إلّا رواكد جمرهنّ هباء ومشجّج

أو للعطف على {ولدان}، وبالجر: عطفا على {جنات النعيم}، كأنه قال: هم في جنات النعيم، وفاكهة ولحم وحور. أو على أكواب، لأن معنى {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ} ينعمون بأكواب، وبالنصب على: ويؤتون حورا {جَزاءً} مفعول له، أي: يفعل بهم ذلك كله جزاء بأعمالهم {سَلامًا سَلامًا} إما بدل من {قِيلًا} بدليل قوله: {لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا إِلَّا سَلامًا} وإما مفعول به لقيلا، بمعنى: لا يسمعون فيها إلا أن يقولوا سلاما سلاما. والمعنى: أنهم يفشون السلام بينهم، فيسلمون سلاما بعد سلام. وقرئ {سلام سلام}، على الحكاية.

.[سورة الواقعة: الآيات 27- 40]:

{وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكارًا (36) عُرُبًا أَتْرابًا (37) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)}.
السدر: شجر النبق. والمخضود: الذي لا شوك له، كأنما خضد شوكه. وعن مجاهد:
الموقر الذي تثنى أغصانه كثرة حمله، من خضد الغصن إذا ثناء وهو رطب. والطلح: شجر الموز. وقيل: هو شجر أم غيلان، وله نوار كثير طيب الرائحة. وعن السدى: شجر يشبه طلح الدنيا، ولكن له ثمر أحلى من العسل. وعن على رضي الله عنه أنه قرأ: {وطلع}، وما شأن الطلح، وقرأ قوله: {لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ} فقيل له: أو نحوّلها؟ فقال: آي القرآن لا تهاج اليوم ولا تحوّل. وعن ابن عباس نحوه. والمنضود: الذي نضد بالحمل من أسفله إلى أعلاه، فليست له ساق بارزة {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} ممتدّ منبسط لا يتقلص، كظلّ ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس {مَسْكُوبٍ} يسكب لهم أين شاءوا وكيف شاءوا لا يتعنون فيه. وقيل: دائم الجرية لا ينقطع. وقيل: مصبوب يجرى على الأرض في غير أخدود {لا مَقْطُوعَةٍ} هي دائمة لا تنقطع في بعض الأوقات كفواكه الدنيا {وَلا مَمْنُوعَةٍ} لا تمنع عن متناولها بوجه، ولا يحظر عليها كما يحظر على بساتين الدنيا. وقرئ: {وفاكهة كثيرة}، بالرفع على: وهناك فاكهة، كقوله: {وحور عين} {وَفُرُشٍ} جمع فراش. وقرئ: {وفرش}، بالتخفيف {مَرْفُوعَةٍ} نضدت حتى ارتفعت. أو مرفوعة على الأسرة. وقيل: هي النساء، لأن المرأة يكنى عنها بالفراش مرفوعة على الأرائك. قال اللّه تعالى: {هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ}، ويدل عليه قوله تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً} وعلى التفسير الأول أضمر لهنّ، لأنّ ذكر الفرش وهي المضاجع دلّ عليهن {أَنْشَأْناهُنَّ} إِنْشاءً أي ابتدأنا خلقهن ابتداء جديدا من غير ولادة، فإما أن يراد. اللاتي ابتدئ إنشاؤهن، أو اللاتي أعيد إنشاؤهن. وعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «أنّ أمّ سلمة رضي الله عنها سألته عن قوله اللّه تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ} فقال: يا أم سلمة هنّ اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز شمطاء رمصاء، جعلهنّ اللّه بعد الكبر أَتْرابًا على ميلاد واحد في الاستواء، كلما أتاهنّ أزواجهنّ وجدوهنّ أبكارا، فلما سمعت عائشة رضي الله عنها ذلك من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قالت: وأوجعاه فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ليس هناك وجع». وقالت عجوز لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «ادع اللّه أن يدخلني الجنة، لقال: إنّ الجنة لا تدخلها العجائز، فولت وهي تبكى، فقال عليه الصلاة السلام: أخبروها أنها ليست يومئذ بعجوز. وقرأ الآية {عُرُبًا}» وقرئ: {عربا}، بالتخفيف جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها الحسنة التبعل أَتْرابًا مستويات في السن بنات ثلاث وثلاثين، وأزواجهنّ أيضا كذلك. وعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا بيضا جعادا مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين» واللام في {لِأَصْحابِ الْيَمِينِ} من صلة أنشأنا وجعلنا.