الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ} فصلّ بذكر ربك وأمره. وقيل: فاذكر اسم ربك العظيم وسبّحه.أخبرنا ابن فنجويه، حدّثنا ابن شنبه، حدّثنا حمزة بن محمد الكاتب، حدّثنا نعيم بن حماد، حدّثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن أيوب الغافقي عن عمّه وهو اياس بن عامر عن عقبة بن عامر الجهني قال: «لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم} قال: اجعلوها في ركوعكم» ولما نزلت {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى} [الأعلى: 1] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في سجودكم».أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرىء، حدّثنا أبو محمد عبد الله بن محمد الحافظ أخبرنا أبو بكر بن أبي عاصم النبيل، حدّثنا الحوصي، حدّثنا بقية، عن يحيى بن سعيد، عن خالد بن معدان عن أبي بلال عن العرباض بن سارية «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالمسبّحات قبل أن يرقد ويقول: إن فيهن آية أفضل من ألف آية».قال: يعني بالمسبحات: الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن. اهـ.
أى: إذا وقعت لم تكن لها رجعة ولا ارتداد {خافِضَةٌ رافِعَةٌ} على: هي خافضة رافعة، ترفع أقواما وتضع آخرين: إما وصفا لها بالشدّة، لأنّ الواقعات العظام كذلك: يرتفع فيها ناس إلى مراتب ويتضع ناس، وإما لأنّ الأشقياء يحطون إلى الدركات، والسعداء يرفعون إلى الدرجات، وإما أنها تزلزل الأشياء وتزيلها عن مقارّها، فتخفض بعضا وترفع بعضا: حيث تسقط السماء كسفا وتنتثر الكواكب وتنكدر وتسير الجبال فتمرّ في الجوّ مرّ السحاب، وقرئ: {خافضة رافعة} بالنصب على الحال {رُجَّتِ} حرّكت تحريكا شديدا حتى ينهدم كل شيء فوقها من جبل وبناء {وَبُسَّتِ الْجِبالُ} وفتت حتى تعود كالسويق، أو سيقت من بس العنم إذا ساقها، كقوله: {وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ}، {مُنْبَثًّا} متفرقا. وقرئ بالتاء أى: منقطعا. وقرئ: {رجت} و{بست}، أي: ارتجت وذهبت. وفي كلام بنت الخس: عينها هاج، وصلاها راج. وهي تمشى وتفاج. فإن قلت: بم انتصب إذا رجت؟ قلت: هو بدل من إذا وقعت. ويجوز أن ينتصب بخافضة رافعة. أي: تخفض وترفع وقت رج الأرض، وبس الجبال لأنه عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع ويرتفع ما هو منخفض أَزْواجًا أصنافا، يقال للأصناف التي بعضها مع بعض أو يذكر بعضها مع بعض: أزواج.
وقوله عز وجل: {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} كفى به دليلا على الكثرة، وهي من الثل وهو الكسر، كما أنّ الأمّة من الأمّ وهو الشج، كأنها جماعة كسرت من الناس وقطعت منهم. والمعنى: أنّ السابقين من الأوّلين كثير، وهم الأمم من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} وهم أمّة محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل {مِنَ الْأَوَّلِينَ} من متقدّمى هذه الأمة، و{مِنَ الْآخِرِينَ} من متأخريها. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «الثلثان جميعا من أمّتى». فإن قلت: كيف قال: وقليل من الآخرين، ثم قال: {وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ}؟قلت: هذا في السابقين وذلك في أصحاب اليمين، وأنهم يتكاثرون من الأولين والآخرين جميعا.فإن قلت: فقد روى أنها لما نزلت شق ذلك على المسلمين، فما زال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يراجع ربه حتى نزلت {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ}. قلت: هذا لا يصح لأمرين، أحدهما: أنّ هذه الآية واردة في السابقين ورودا ظاهرا، وكذلك الثانية في أصحاب اليمين.ألا ترى كيف عطف أصحاب اليمين ووعدهم، على السابقين ووعدهم، والثاني: أنّ النسخ في الأخبار غير جائز. وعن الحسن رضي الله عنه: سابقو الأمم أكثر من سابقي أمّتنا، وتابعو الأمم مثل تابعي هذه الأمّة. وثلة: خبر مبتدأ محذوف، أي: هم ثلة {مَوْضُونَةٍ} مرمولة بالذهب، مشبكة بالدرّ والياقوت، قد دوخل بعضها في بعض كما توضن حلق الدرع.قال الأعشى: وقيل: متواصلة، أدنى بعضها من بعض. {مُتَّكِئِينَ} حال من الضمير في على، وهو العامل فيها، أي: استقرّوا عليها متكئين {مُتَقابِلِينَ} لا ينظر بعضهم في أقفاء بعض. وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق والآداب {مُخَلَّدُونَ} مبقون أبدا على شكل الولدان وحدّ الوصافة، لا يتحوّلون عنه. وقيل: مقرّطون، والخلدة: القرط. وقيل: هم أولاد أهل الدنيا: لم تكن لهم حسنات فيثابوا عليها، ولا سيئات فيعاقبوا عليها. روى عن على رضي الله عنه وعن الحسن.وفي الحديث: «أولاد الكفار خدّام أهل الجنة». الأكواب: أوان بلا عرى وخراطيم، والأباريق، ذوات الخراطيم {لا يُصَدَّعُونَ} عَنْها أي بسببها، وحقيقته: لا يصدر صداعهم عنها. أو لا يفرّقون عنها. وقرأ مجاهد:{لا يصدعون}، بمعنى: لا يتصدعون لا يتفرقون، كقوله: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} ويصدعون، أي: لا يصدع بعضهم بعضا، لا يفرّقونهم {يَتَخَيَّرُونَ} يأخذون خيره وأفضله {يَشْتَهُونَ} يتمنون. وقرئ: {ولحوم طير}. قرئ: {وحور عين}، بالرفع على: وفيها حور عين، كبيت الكتاب: أو للعطف على {ولدان}، وبالجر: عطفا على {جنات النعيم}، كأنه قال: هم في جنات النعيم، وفاكهة ولحم وحور. أو على أكواب، لأن معنى {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ} ينعمون بأكواب، وبالنصب على: ويؤتون حورا {جَزاءً} مفعول له، أي: يفعل بهم ذلك كله جزاء بأعمالهم {سَلامًا سَلامًا} إما بدل من {قِيلًا} بدليل قوله: {لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا إِلَّا سَلامًا} وإما مفعول به لقيلا، بمعنى: لا يسمعون فيها إلا أن يقولوا سلاما سلاما. والمعنى: أنهم يفشون السلام بينهم، فيسلمون سلاما بعد سلام. وقرئ {سلام سلام}، على الحكاية.
|